تتبقى أيام قليلة على انطلاق بطولة كوبا أمريكا في نسختها الـ47 التي تحتضنها البرازيل، بعد أن كان مقرراً في البداية أن تنظمها الأرجنتين وكولومبيا.
في البداية، كانت كولومبيا والأرجنتين ستستضيفان المسابقة، واُضطرت الأولى إلى التخلي عنها بسبب الاحتجاجات العنيفة في أراضيها والأخيرة بسبب الوضع الخطير نتيجة تفشي جائحة فيروس كورونا.
وكان من المقرر أن تقام البطولة العام الماضي، لكن الجائحة نفسها تسببت في تأجيل البطولة إلى هذا العام.
وفي ظل الطبيعة الفريدة للدول اللاتينية التي تشكل قوام البطولة ونوعية كرة القدم التي تلعب في هذا الجزء من العالم، فمن الطبيعي أن يحمل تاريخ البطولة التي لعبت نسختها الأولى في 1916 الكثير من الغرائب والطرائف التي ربما يصعب تصديقها.
– فرمان رئاسي:
إبيتاسيو بيسوا. هذا هو اسم رئيس البرازيل في الفترة بين 1919 و1922. كان لهذا الرجل طباعه الخاصة، العنصرية ببساطة، التي لا تميل لتفضيل أصحاب البشرة السمراء، لذا فإنه أصدر قراراً حينما تولى السلطة بمنع اللاعبين الذين ينتمون للعرق الأسود من المشاركة في أي بطولات محلية أو مع المنتخبات.
أثّر هذا القرار بالطبع على أرثر فريدريتش أهم لاعبي البرازيل في تلك الفترة، وهو سليل زيجة بين ألماني وامرأة برازيلية سمراء، وكان يلقب بـ«الهجين ذي العينين الخضراوين».
كانت البرازيل تأمل في الفوز بلقب بطولة كوبا أمريكا 1922 التي أقيمت على أرضها وترى فريدريتش كأهم أمل لها، لذا ضغط الشعب حتى اضطرت الحكومة للرضوخ وتراجعت في القرار ليشارك اللاعب في البطولة ويتوج «راقصو السامبا» باللقب.
لهذا السبب يظل فريدريتش، الملقب أيضاً بـ«الملك» و«النمر»، واحداً من الأسماء التي لا يمكن نسيانها في تاريخ البرازيل، بل إن البعض يذهب إلى أنه سجل أهدافاً أكثر من بيليه نفسه.
– كرة الحرية:
يقولون إن كرة القدم قادرة على تغيير أشياء كثيرة. هذا أمر صحيح وتاريخ كوبا أمريكا يشهد عليه. لا توجد حاجة للعودة طويلاً في الزمن للتأكد من الأمر بل مجرد 6 أعوام وصولاً إلى نسخة 2015 التي احتضنتها تشيلي.
أقيمت المباراة الافتتاحية على الملعب الوطني بالعاصمة سانتياغو. ذلك المكان الذي تحول خلال حقبة الديكتاتور التشيلي أوجوستو بينوشيه (1973-1990) لمركز لاعتقال وتعذيب المعارضين، كأحد أساليب النظام في مواجهة أي تهديد داخلي.
تذكرت كرة القدم عبر بوابة كوبا أمريكا في 2015 أمر هؤلاء الضحايا عبر مساحة مخصصة لتكريمهم في الجزء المركزي بالمدرج الذي يحتوي على المقصورة الرئيسية بالملعب.
– بطل بالصدفة:
بعيداً عن الوقائع التي تحمل صبغة تاريخية، فإن هذه ربما تعد واحدة من أغرب القصص في تاريخ (كوبا أمريكا). هذه هي النسخة الأولى عام 1916؛ كرة القدم لا تزال للهواة. لا يوجد نظام للمحترفين، ولكن هذا لم يمنع الآلاف من عشقها.
احتضنت الأرجنتين البطولة وفازت بمباراتها الأولى على تشيلي بستة أهداف لواحد. مواجهتها الثانية كانت أمام البرازيل، ولكن أحد اللاعبين تخلف عن الحضور. في الوقت الحالي هذا أمر غير وارد تماماً وإذا حدث فإن هناك الكثير من البدائل.
لكن آنذاك كان يتم استدعاء 11 لاعباً فقط. لا يوجد لاعبون احتياطيون. لا بطاقات صفراء أو حمراء. إذا أصيب أحد أو تغيب، يبدأ الفريق المباراة بـ10 لاعبين. هذا هو ما كانت الأرجنتين تخشاه حينما اعتذر أحد لاعبيها عن خوض مواجهة البرازيل لارتباطه بالتزام مع عمله، فكرة القدم لم تكن احترافية في تلك الفترة، وأولوية اللاعبين يجب أن تكون لعملهم الأساسي.
تتبقى دقائق قليلة على انطلاق مواجهة البرازيل، ولكن أحد لاعبي الأرجنتين يتعرف في مدرجات ملعب (جيبا) على خوسيه لاجونا لاعب نادي أوراكان ليتم استدعاؤه للفريق بشكل فوري فيكتمل قوامه. لم يقتصر الأمر على هذا فقط، بل أن لاجونا كان من سجل هدف «راقصي التانجو» في المباراة التي انتهت بالتعادل بهدف لمثله.
– وصيف دون فوز:
ما حدث مع باراغواي في نسخة 2011 كان غريباً بحق، حيث إنها وصلت للنهائي دون أن تحقق أي فوز طوال البطولة، إلا عبر ركلات الترجيح، ففي دور المجموعات تعادلت في مبارياتها الثلاث لتتأهل كثاني أفضل ثالث.
في ربع النهائي التقت باراغواي مع البرازيل وتعادلت أيضاً ثم أخرجتها بركلات الترجيح، وعاد هذا الأمر ليتكرر في نصف النهائي أمام فنزويلا لتصل للمباراة النهائية أمام أوروغواي لتخسرها. وكانت باراغواي بهذه الطريقة أول فريق في تاريخ البطولة يصل للنهائي دون تحقيق أي فوز في الوقت الأصلي والإضافي في كل مبارياته.
– 40 يوماً:
إنها نسخة كوبا أمريكا 1919 في البرازيل. الرحلة كانت طويلة للغاية بالنسبة للمنتخب التشيلي. اضطر اللاعبون السفر للأرجنتين بالقطار ومن بوينوس آيرس أبحروا على متن سفينة نحو مدينة ريو دي جانيرو.
على الرغم من طول مسافة الرحلة أثناء الذهاب، فإن المشكلة الحقيقية وقعت أثناء العودة من البطولة التي توجت بها البرازيل للمرة الأولى في تاريخها، حيث تسببت عاصفة في احتجاز لاعبي تشيلي بمدينة مندوزا الأرجنتينية على الحدود مع بلادهم بعد إغلاق الطرق أمام حركة المركبات.
حينها اتخذ اللاعبون قراراً مصيرياً: لم تكن تتوافر لديهم أي أموال للإقامة في المدينة، فقد أنفقوا كل ما لديهم في هذه الرحلة الطويلة، لذا قرروا خوض مغامرة العودة عبر جبال الإنديز إلى بلادهم على متن مجموعة من البغال.
استغرقت الرحلة أسبوعين كاملين حتى وصلوا إلى سانتياغو عاصمة تشيلي، ولكن إجمالي الأيام التي قضوها في العودة منذ انطلاقهم من ريو كان 40 يوماً. كانت هذه الرحلة مليئة بالعذاب الجسدي وأيضاً النفسي. خاصة أن تشيلي أنهت نسخة 1919 في المركز الأخير.
– المقصية المزدوجة:
إنها واحدة من أفضل المهارات في عالم كرة القدم وظهرت أول مرة بالمنافسات الدولية في بطولة كوبا أمريكا بنسختها الأولى عام 1916 حيث ينسب الفضل في ابتكارها إلى لاعب منتخب تشيلي صاحب الأصول الإسبانية رامون أونزاجا كما تقول كتب تاريخ كرة القدم.
ويقول تاريخ الكرة إن أول مرة نفذت فيها هذه الحركة ببطولة دولية كانت في الثاني من يوليو 1916، حينما استخدمها أونزاجا ليس لتسجيل هدف بل لتشتيت كرة أثناء هجمة كانت تنفذها أوروجواي ضد فريقه.
بعد المباراة لم يكن أحد يعرف ما هي تلك الحركة التي نفذها أونزاجا الذي كان له ماضٍ سابق في القفز وألعاب القوى، وظلت الجماهير التي حضرت المباراة التي انتهت برباعية نظيفة لصالح أوروجواي تتحدث عنها بعبارات مثل «هل رأيت ما فعله التشيليون؟ هل رأيت تلك اللعبة التشيلية؟». لهذا فإن المقصية المزدوجة تعرف في الإسبانية بـ«لا تشيلينا» أو «التشيلية»، تكريماً لمبتكريها.